يوسف غنيمة

نسبه وولادته وحداثة حياته

هو يوسف رزق الله يوسف غنيمة ولد في يوم 9 آب 1885 في محلة رأس القرية من محلات بغداد الرصافة, وكان جده الأعلى من جماعة النساطرة وكان يسكن مدينة بغداد منذ النصف الأول للقرن السابع عشر, غير أن جده عيسى الذي كان شماسا انتمى إلى الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية عام 1743, أما والد يوسف غنيمة (رزق الله يوسف غنيمة) فكان شخصا معروفا وقد تولى رئاسة الكتاب في مصلحة المكوس العراقية ببغداد وبعدها رقي إلى منصب مدير دائرة المكوس في البصرة, أما جد يوسف ( يوسف سمعان غنيمة) فكان من أوائل الكلدان الذين عينوا في وظائف رسمية, فقد كان كاتبا في دائرة (الطمغة) ببغداد ثم أسندت إليه في العام 1856 وظيفة الشاهبندر في دائرة كمارك بغداد وظل يشتغل مدة طويلة في هذا المنصب حتى صار يعرف باسم يوسف الشاهبندر.

درس يوسف غنيمة مبادئ اللغة العربية على يد العلامة اللغوي الأب أنستاس ماري الكرملي والأدب الفرنسي على يد الأب لويس مارتن والفلسفة باللغة الفرنسية على يد الأب ليون واللغة الإنكليزية على يد المستر بارفيت مدير المدرسة الانكليزية واللغة التركية على يد الأستاذين خالد سليمان وعارف داود وكما درس علم ما وراء الطبيعة على يد الأستاذ الشماس فرنسيس جبران وأتقن مسك الدفاتر والحساب التجاري على يد احد المعلمين اليهود.

غنيمة في فترة حكم الاتحاديين

بعد أن قام الاتحاديين بانقلابهم في عام 1908 واستلموا زمام الحكم ووضعوا الدستور الذي ساوى بين الأمم والقوميات في الحقوق والواجبات ورفعوا شعار (الحرية – المساواة – العدالة ) وأعلن المسيحيون فرحهم لهذه المبادئ وأيدوا الحكومة الجديدة, فاندفع يوسف غنيمة إلى تأييدهم وانظم إلى حزبهم (جمعية الاتحاد والترقي – فرع بغداد) والذي قام بتأسيسه كل من (مراد سليمان, توفيق الخالدي, فؤاد الحبية, جميل صدقي الزهاوي, معروف الرصافي, إسماعيل حقي, ساسون حسقيل ونوري المعروف), كما وساهم يوسف غنيمة في الكتابة في جريدة بغداد التي كانت تنطق بلسان حال الجمعية.

غنيمة إبان الاحتلال البريطاني للعراق

بعد أن احتل الجيش البريطاني مدينة بغداد يوم 11 آذار 1917 دعا الحاكم العسكري الجنرال البريطاني هوكر – يوسف غنيمة وعدد من رجالات البلد إلى اجتماع للمذاكرة في تأسيس مجلس بلدي ببغداد وفي هذا الاجتماع شرع غنيمة يدافع عن حقوق الأهالي ومصالحهم لكن موقفه هذا لم يرق للحاكم العسكري لذلك انقطع غنيمة عن حضور الجلسات اللاحقة لكنه اخذ يجاهر بأفكاره في خطبه ومقالاته التي كان يكتبها وشرع يتصل برجال العرب ببغداد وكذلك في محادثاته مع رجال الحل والعقد من البريطانيين.

غنيمة يشارك في استقبال الأمير فيصل بن الحسين الذي رشح لعرش العراق

كان غنيمة ضمن لجنة استقبال الملك فيصل الأول الذي وصل إلى العراق عن طريق البصرة يوم 23 حزيران من عام 1921 ووصل بغداد يوم 29 منه وكان يوسف غنيمة عضوا نشطا في لجنة الاستقبال وبذل جهودا كبيرة في ذلك الأمر الذي دعا الملك فيصل للطلب من غنيمة أن يكون احد رجالات البلاط الملكي إلا أن غنيمة اعتذر عن قبول هذا المنصب.

السنوات الأولى من الحكم الملكي ونشاطات يوسف غنيمة المتنوعة

بعد قيام الحكم الملكي واعتلاء الملك فيصل الأول عرش العراق, أخذ غنيمة بعد فترة وجيزة يشارك في الحياة العامة ويساهم في الأعمال الحزبية والمناصب الرسمية ونذكر منها مايلي:

انتخب عضوا في مجلس محافظة بغداد ممثلا عن المسيحيين في 25 شباط 1922 وظل محتفظا بهذه العضوية حتى انتخابه نائبا في المجلس التأسيسي.

انتخب عضوا في مجلس معارف العاصمة ممثلا عن مجلس إدارة محافظة بغداد وعضوا في لجنة تقدير الأملاك ممثلا عن مجلس إدارة محافظة بغداد وذلك في سنة 1923.

موقف يوسف غنيمة من المعاهدة العراقية – البريطانية لعام 1922

انتخب المجلس التأسيسي لجنة لتدقيق بنود المعاهدة العراقية – البريطانية وضمت (15) نائبا وتكونت من ياسين الهاشمي رئيسا ومحمد زكي مقررا وعهدت إلى يوسف غنيمة مهمة مقارنة النص العربي للمعاهدة وملاحقها بالنص الانكليزي وضمت هذه اللجنة أيضا كل من رؤوف الجاد رجي ومزاحم الباججي وفي يوم 29 أيار 1924 بدأ المجلس مناقشة المعاهدة وملاحقها ومناقشة تقرير اللجنة :

حيث كان الرأي السائد بين أعضاء هذا المجلس هو عدم قبولها المعاهدة بصيغتها الحالية لأنها لا تؤمن رغبات الشعب العراقي وكما لاحظ ذلك يوسف غنيمة والذي طالب بالتعديل على أساس تقرير لجنة المعاهدة التي هو كان عضوا فيها وألقى غنيمة كلمة في جلسة يوم 3 حزيران 1924 جاء فيها: (( إن واجبنا مقدس وقد أيدنا قداسته بما أقسمناه من يمين الإخلاص للوطن, وان مسؤوليتنا لعظيمة أمام الشعب العراقي كله وبما فيهم أهل الموصل الكرام ومسئولين أمام الأولاد والأحفاد أيضا, وان نتيجة عملنا سيكتب لهم وللوطن السيادة إن تمسكنا به وربما سيكتب لهم الشقاء والذل لو تهاونا فيه وان ما سنقرره بشأن المعاهدة التي وضعت أمامنا سيكون لصالح الوطن وأبناءه(.

يوسف غنيمة مقررا للجنة وضع القانون الأساسي العراقي (الدستور )

في 10 نيسان 1924 انتخب المجلس التأسيسي لجنة مؤلفة من 15 نائبا لتدقيق لائحة القانون الأساسي (الدستور) للبلد وقد انتخبت اللجنة من بينها أمجد العمري رئيسا ويوسف غنيمة مقررا ,وبدأت اللجنة بدراسة مواد هذا القانون ووضعت الملاحظات التي يجب الانتباه إليها والسعي إلى تعديل البنود التي لا تتماشى مع الوضع القائم وقامت اللجنة بنشر المواد في الصحف ليقوم الشعب بإبداء آرائه حول مواد هذا القانون والتي تخص السيادة التي تعتبر مصدر كل سلطة وإلى تحقيق رغبات الشعب وصيانة الحرية الشخصية في الاعتقاد والنشر والكلام وتحقيق المساواة بين أبناء الشعب في نظر القانون ومراعاة العادات والأخلاق وإعطاء أبناء القوميات من غير العرب الحرية التامة في ممارسة معتقداتهم, وعقدت اللجنة 17 اجتماعا حضرها غنيمة بانتظام وشارك في المناقشات وقدم الإيضاحات حتى تم التصديق على القانون يوم 10 تموز 1924.

يوسف غنيمة نائبا في أول مجلس نيابي

افتتح الملك فيصل الأول مجلس الأمة في دورته الأولى في 16 تموز 1925 واستمرت هذه الدورة لغاية 18 كانون الثاني 1928, وانتخب غنيمة خلال هذه الدورة مقررا للجنة الشؤون المالية والاقتصادية وبعده انتخب مقررا في لجنة الميزانية كما وانتخب في اجتماعات لاحقة مقررا في اللجنة الجوابية لخطاب العرش ومقررا في اللجنة المالية والاقتصادية التي اندمجت معها لجنة الميزانية.

نال غنيمة خلال سنوات عمله في هذه اللجان الكثير من كتب الشكر والعرفان من المسئولين ومن رئيس الوزراء ووزراء المالية ورؤساء لجان المالية الذين كانوا يتشاورون معه ويأخذون رأيه في كل شي يمس سياسة المال والاقتصاد للبلد.

مواقف يوسف غنيمة من مسألة تمثيل الأقليات القومية في مؤسسات الدولة في العهد الملكي

عرف العراق بولاياته الثلاثة – بغداد والموصل والبصرة – بتمثيل الأقليات الدينية في مؤسسات الدولة منذ العهد العثماني, ففي عهد الوالي مدحت باشا كان مجلس الولاية يتكون من الوالي رئيسا ومن رؤساء الدوائر في إدارة الولاية كأعضاء طبيعيين ومن أربعة أعضاء منتخبين نصفهم من المسلمين والنصف الآخر من غير المسلمين وقد مثل في سنة 1873 السيد فتح الله عبود المسيحيين ويوسف كرجي اليهود في مجلس ولاية بغداد, كما عرف ذلك الوقت نظام تمثيل الأقليات الدينية في القضاء ومحاكم البداءة وكانت تتألف من رئيس وعضوين احدهما مسلم والآخر من غير المسلمين وهكذا كانت تتألف أيضا محاكم الاستئناف.

ان نظام الانتخابات للمجلس التأسيسي أعطى الحق على تمثيل الأقليات في مجلس النواب حيث ان المجلس يتكون من 100 نائب بينهم خمسة نواب من المسيحيين ومثلهم من اليهود, وقد تمثل ذلك في الانتخابات التي جرت في شباط 1924.

أما التمثيل في مجلس الوزراء فلا يوجد نص قانوني أو عرف يقضي بتمثيل الأقليات من غير المسلمين في الوزارة, لكن الكفاءة والحرص كفيلة بهذا التمثيل ولا فرق بين عراقي وآخر على أساس الدين أو القومية كون العراقيين جميعهم متساوون في الحقوق والواجبات حسب الدستور, ومنذ تأسيس الحكومة العراقية في 1921 وحتى حكومة فاضل الجمالي الثانية تم استيزار المسيحيين في 12 وزارة وكان نصيب يوسف غنيمة منها في سبعة وزارات وهي :

1.غنيمة وزيرا للمالية في وزارة عبد المحسن السعدون الثالثة التي تشكلت قي كانون الثاني من عام 1928 , وفي التقرير السري الذي رفعه السفير البريطاني في العراق السير – أرجيبولد كلارك – إلى وزير الخارجية البريطاني المستر أيدن عن الشخصيات الرئيسية في العراق وردت ترجمة عن غنيمة نقتطف منها: (يوسف غنيمة كلداني كاثوليكي ذكي وشغول .. يختلط بحرية مع المسلمين وقد عين وزيرا للمالية).

2. غنيمة وزيرا للمالية في وزارة توفيق السويدي الأولى التي تشكلت في نيسان من عام 1929.

3. غنيمة وزيرا للمالية في وزارة علي جودت الأيوبي التي تشكلت في آب 1934.

4. غنيمة وزيرا للمالية في وزارة جميل المدفعي الثالثة والتي تشكلت في 4 آذار 1935.

5. غنيمة وزيرا للتموين في وزارة حمدي الباجه جي الثانية: وتشكلت هذه الوزارة في حزيران 1944 وكانت قد خلفت وزارة نوري السعيد.

6. غنيمة وزيرا للمالية ووزيرا بالوكالة لوزارة التموين في حكومة أرشد العمري وقد تشكلت هذه الوزارة في حزيران 1946.

7. غنيمة وزيرا للمالية في وزارة صالح جبر والتي تشكلت بعد استقالة حكومة نوري السعيد في آذار 1947.

يوسف غنيمة من أركان النهضة العلمية والفكرية والسياسية في العراق الحديث

لا غرابة في أن يكون يوسف غنيمة من أعلام اليقظة الفكرية والعلمية في العراق, حيث ترك آثارا عظيمة في ميادين التاريخ والآثار والاقتصاد والمال ورغم انغماره في السياسة منذ شبابه فقد أهلته ثقافته الواسعة واللغات الأجنبية التي كان يجيدها لأن يكون رائدا من رواد الحركة الإصلاحية وعلما من أعلام الفكر والثقافة والسياسة والاقتصاد ولم تشغله مناصبه الوزارية والإدارية عن البحث والتأليف فترك من الآثار ما يؤلف مكتبة في شتى العلوم والمعارف.

كما انه يعد من رواد الفكر الحديث وهو الذي عاصر ثلاثة عهود مهمة مرت على العراق وهي أواخر العهد العثماني وفترة الاحتلال البريطاني للعراق وفترة الحكم الوطني وهذه العهود شهدت أحداثا جساما شملت حربيين عالميتين, حيث تألم لشقاء أبناء وطنه وقوميته.

كرس حياته لخدمة شعبه واسهم في بث الوعي القومي والثقافي وتطوير الفكر و نادى بالتآخي بين أبناء الوطن الواحد على مختلف أديانهم وطوائفهم.

كان غنيمة يعد مؤرخا أيضا وباحثا تاريخيا وله أبحاث عن الرها وبغداد والبصرة والمستنصر والمستنصرية وله كتاب عن نصارى العراق في عهد العرب.

أما مؤلفاته المطبوعة فهي كثيرة منها : (برديصان) وهو بحث تاريخي وفلسفي صدر في بيروت عام 1920 و كتاب (تجارة العراق قديما حديثا صدر) في بغداد عام 1922 و(محاضرات في مدن العراق) صدر في بغداد 1924 و(كتاب نزهة المشتاق في تاريخ يهود العراق) صدر في بغداد 1924 و(كتاب الحيرة المدينة والمملكة العربية).

أما الآثار المخطوطة فهي كثيرة منها (مباحث عراقية) وهي مقالات عن تاريخ العراق وجغرافيته وأحواله العلمية والعمرانية والاجتماعية و(مخطوطة الدرة اليتيمة في تاريخ أسرة غنيمة).

الخاتمة

يعد يوسف رزق الله غنيمة من كبار رجالات الفكر والأدب والسياسة في العراق الحديث وهو رجل كرس حياته لخدمة وطنه العراق طوال عقود طوال , فقد كان إنسانا عفيفا ووزيرا مثابرا وأديبا وكاتبا وباحثا متمكنا وأبا حنونا وعطوفا وترك آثارا طيبة بين أهله وأصدقائه ومعاصريه, إن ما قدمه هذا الإنسان العظيم من خدمة لوطنه العراق لم يقدمه قط شخص في زمانه لما له من جهود في بناء وتشكيل مؤسسات الدولة العراقية الحديثة وهو يستحق اليوم أن ينصب له تمثالا في وسط بغداد التي ولد وعاش فيها هو وآبائه وأجداده وحتى أبنائه, حيث خدمها وخدم العراق بأمانة وإخلاص وكفاءة حتى لحظة وفاته يوم 10 آب 1950.

المصدر

وصلة خارجية