تفسير المادة (124) من الدستور حول بغداد / 2008

تفسير المادة (124) من الدستور حول بغداد

تنص المادة (124) من الدستور على ما يلي:

أولاً: بغداد بحدودها البلدية، عاصمة جمهورية العراق، وتمثل بحدودها الادارية محافظة بغداد.

ثانياً: ينظم وضع العاصمة بقانون.

ثالثاً: لا يجوز للعاصمة ان تنضم لاقليم.

فالفقرة (أولاً) تعرف العاصمة بأنها ضمن الحدود البلدية لامانة بغداد- وهي عاصمة جمهورية العراق. وليس هناك لبس في التعرف على الحدود «البلدية» لامانة بغداد. كما ان الفقرة ثانيا من المادة (124) تنص على ان وضع العاصمة ينظم بقانون. وهناك قانون بحكم امانة بغداد، ويعتبر امين بغداد بدرجة وزير، غير ان هذا القانون يعاني من نواقص كثيرة، اخطرها من الناحية الدستورية، التدخلات بين واجبات الأمانة وواجبات المحافظة، والتي كانت تحكم بموجب قانون المحافظات الملغى وأمر سلطة الائتلاف رقم 71 الملغى.

فالدستور لا يشير في صلاحيات الاقاليم والمحافظات غير المنتظمة في اقليم (المواد 115 و116) الى وجود درجة ثالثة من السلطات تقع بين الصلاحيات الحصرية للحكومة الاتحادية، وصلاحيات الاقاليم والمحافظات فالمادة (115) من الدستور تنص ان كل ما لم ينص عليه في الاختصاصات للسلطة الاتحادية هو من صلاحيات الاقاليم والمحافظات. أي ان العاصمة بغداد «بحدودها البلدية» هي محافظة من نوع خاص. وليست درجة وسطية من الحكم المحلي داخل محافظة بغداد والتي يكون فيها المحافظ بدرجة وكيل وزارة.

اذن ما هي محافظة بغداد وما هي حدودها، وماهي صلاحياتها، وبأي قانون تحكم؟

تنص الفقرة (أولا) من المادة (124) من الدستور ان بغداد «بحدودها الادارية» هي محافظة بغداد. والمحافظات بمطلقها وبدون استثناء تحكم بقانون المحافظات الغير منتظمة باقليم والذي شرع مؤخراً والذي سيعتبر نافذ المفعول بعد انتخابات المجالس المحلية.

كما تنص الفقرة (ثالثاً) من المادة (124) من الدستور ان العاصمة لا يجوز لها ان تنظم الاقليم. والمشروع في هذه الحالة اراد صراحة ان يتحوط مسبقاً لاحتمال الحاق العاصمة باقليم موسع. لان العاصمة لكل العراقيين، وفيها مقر الحكومة الاتحادية. وفي مختلف انحاء العالم تكون للعواصم حكومات محلية خاصة، وتحكم بقانون يختلف عن القوانين المطبقة على الاقاليم والمحافظات الاخرى. وهكذا نص المشروعان العاصمة «بحدودها البلدية» تخضع لقانون غير قانون المحافظات الأخرى، ولها جميع الصلاحيات الدستورية التي ليست من الاختصاصات الحصرية للسلطات الاتحادية. اي انها ضمن رقعتها الجغرافية تتقاسم الصلاحيات مع الحكومة الاتحادية ولا تشترك في ذلك حكومة محلية وسطية بينها وبين الحكومة الاتحادية. ولا يجوز دستوريا التصور ان محافظة بغداد تتداخل جغرافيا او بشرياً مع العاصمة. ولا يمكن تجزئة السلطات المناطة بالاقاليم والمحافظات بين جهتين في آن واحد وفي حيز مكاني وبشري واحد.

فالمشروع اراد بالنص الصريح ان يفرق بين كيانين جغرافيين وبشريين هما العاصمة «بحدودها البلدية» (أمانة بغداد) والمحافظة «بحدودها الادارية» (الأقضية التي تقع خارج أمانة بغداد). والمشرع سمح صراحة لأهالي الأقضية والنواحي الواقعة خارج العاصمة بالتحول الى اقليم وكذلك الانضمام الى اقليم آخر.

وحرم المشرع الدستوري صراحة اهالي امانة بغداد «بحدودها البلدية» من الانضمام الى اقليم بمنطوق الفقرة (ثالثاً) من المادة (124) من الدستور.

اذاً عاصمة جمهورية العراق هي بحدود أمانة بغداد، وتنظم امورها بقانون خاص ولها حكومة محلية خاصة بها تتمتع بكل الصلاحيات التي لا تعود للاختصاصات الحصرية للحكومة الاتحادية، ولكنها تخضع لقانون خاص ينظم وضعها الاستثنائي ويرتب العلاقة الخاصة والاستثنائية بين العاصمة والحكومة الاتحادية، ويأخذ بنظر الاعتبار اشتراك كل العراقيين بشكل او بآخر بعاصمة بلدهم المتميزة عن بقية الاقاليم والمحافظات.

وبنفس المعنى - والمنطوق - فإن محافظة بغداد بأقضيتها ونواحيها الواقعة خارج حدود امانة بغداد، لا تختلف بحال عن بقية الاقاليم والمحافظات غير المنتظمة في اقليم، ولا خصوصية لها سواء في القوانين التي تحكمها او الصلاحيات الدستورية المناطة بها.

ويثار هنا سؤال مهم وخطير وعاجل:

من ينتخب المجلس المحلي لعاصمة جمهورية العراق؟ ومن ينتخب مجلس المحافظة لمحافظة بغداد؟ وكيف؟

اذا كانت العاصمة تحكم بقانون خاص، فإن ذلك القانون يجب ان ينص على شكل الحكم وطريقة الانتخاب وشكل المجلس المنتخب الذي يحكم العاصمة.

ومجلس العاصمة لا يخضع الى مجلس محافظة بغداد ولا يتداخل معه ولا يتقاطع معه لا جغرافيا (مكانياً) ولا سكانية. فأبناء محافظة بغداد لا رأي لهم في حكم عاصمة جمهورية العراق، ولا رأي لسكنة أمانة بغداد (العاصمة) في كيفية حكم وصلاحيات الحكومات المحلية في المحمودية والمدائن وغيرهما في المناطق الواقعة خارج الحدود البلدية لأمانة بغداد والأخيرة تحكم بقانون المحافظات الذي تم تشريعه وقانون الانتخابات الذي سيشرع. وفي هذه الحالة لا نحتاج الى قانون خاص او نص جديد لما يتعلق بمحافظة بغداد. وكذلك بالامكان سحب قانون المحافظات على العاصمة باعتبارها حكومة لا تختلف من حيث المبدأ عن المحافظات الأخرى سوى انها محرومة من الانضمام الى اقليم وتدار امورها بقانون خاص. أي ان تجري الانتخابات لمجلس العاصمة (وعدد اعضاء هذا المجلس بطبيعة الحال اكثر من بقية المحافظات بنسبة السكان وبواقع عضو لكل 200 ألف نسمة).

أما الجواب على كيف يتم ذلك، فكل ما يتطلبه الأمر تفسير دستوري لمنطق المادة (124) من الدستور، وقيام المفوضية المستقلة للانتخابات بالترتيب لاجراء انتخابات لمجلسين مختلفين من قبل سكان مكانين مختلفين. وكذلك بالأمكان النص صراحة على ذلك في قانون الانتخابات. فتجري ضمن حدود امانة بغداد انتخابات لمجلس عاصمة جمهورية العراق، ويقوم المواطنون في الاقضية والنواحي الواقعة خارج أمانة بغداد (وضمن الحدود الادارية لمحافظة بغداد) بانتخاب مجلس محافظة بغداد كأي محافظة لم تنتظم باقليم، اما اذا قرر سكان محافظة بغداد لاحقاً التحول الى اقليم (وهذا حق مكفول لهم بموجب الدستور، وممنوع دستوريا على ابناء عاصمة جمهورية العراق)، فإن شأنهم سيكون بأيديهم ولا دخل لأبناء عاصمة جمهورية العراق بذلك.