استغلال العوائد النفطية : سيناريو الخلاص من الدولة الريعية/ 2017

كانت فنزويلا من أقدم الدول المصدرة للنفط, اذ بدا الإنتاج فيها عام 1914 ,ولديها اكبر الاحتياطات النفطية في العالم بما يقارب (300) ثلاثمائة مليار برميل.أصبحت فنزويلا مثال كلاسيكي على متلازمة الدولة الريعية والدكتاتورية, والنموذج الأسوأ لفشل الدولة الريعية في بناء اقتصاد يخدم الشعب. اليوم يبلغ التضخم النقدي في فنزويلا قرابة 300% والفقر يطال 82% من الشعب (صحيفة الغارديان/5/4/2017) ويتراجع الاقتصاد بقرابة 10% هذا العام, وفي البلاد فوضى عارمة لا يعرف ان كان لها ضوء في نهاية النفق.

بالمقابل, النرويج بلد حديث نسبيا في صناعة النفط , والتي شارك في تطويرها الخبير النفطي العراقي البصري فاروق القاسم. واسست النرويج صندوق النفط عام 1990 تودع فيه جميع عائدات النفط, ولا يتم السحب منة بأكثر من 4% عند الضرورة. وبلغ احتياطي صندوق النفط السيادي النرويجي ما يقارب التريليون دولار, علماً ان الاحتياطي النفطي للنرويج اقل من (8) ثمانية مليارات برميل .

وبينما اتابع التطورات في السيناريوهين أعلاه , قرأت ما نشره الأخ الدكتور محمد علي زيني على شبكة الاقتصاديين العراقيين يوم 20/10/2017. أتفق معه في معظم ما ذهب إلية , الا أنني أشير الى الملاحظات التالية :

يعترض الدكتور زيني على توزيع العوائد السنوية على افراد الشعب... ثم فرض الضرائب ... لتمويل ميزانية الحكومة , معتبرا ان ذلك " سيولد تضخما حتما اذا ما توجه الصرف بصورة رئيسية نحو الاستهلاك على حساب الاستثمار ".

وهذا الاستنتاج فيه خطأ منهجي واضح .فأن الكتلة النقدية للدخل المتاح للاستهلاك (disposable income ) هو نفسه في الحالتين . فألانفاق الحكومي يذهب حاليا بالكامل الى الاستهلاك ( استيراد او انفاق داخلي ) حكومي او عبر المواطنين . وبما ان حدود العراق مفتوحة فأن الانفاق الاستهلاكي لايشكل ضغطا تضخميا لان العرض يسد الطلب من خلال الاستيراد .

ان موضوعة الخلاص من الدولة الريعية * قد تمت معالجتها بشكل تفصيلي في كتابنا بالعنوان نفسة, والذي يدعو الى توزيع ايرادات النفط والغاز على المواطنين بشكل دخل اساسي شامل للجميع (Universal Basic Income ) ومن ثم يمكن فرض نسبة ضريبة علية تقر من خلال الموازنة السنوية او بتشريع دائم.

مفاسد الدولة الريعية لاتحل بالتمنيات والاحلام بخطط تنموية استثمارية تخلق التعددية في الاقتصاد للخلاص من الاعتماد على الريع النفطي. فأن احلام الاقتصاديين العراقيين – وغيرهم – في رسم عوالم افتراضية هي إسقاطات لا يمكن تطبيقها على الإطلاق مادام , ريع النفط يذهب الى الحاكم .

بين سيناريو فنزويلا وسيناريو النرويج خيارين لا ثالث لهما: إما الدولة الريعية الدكتاتورية الفاشلة او خيار الخلاص بتطبيق الدخل الأساسي الشامل لكل أفراد الشعب,ولكن بدل تخصيص الريع الى صندوق سيادي يتم تخصيصها للشعب .

وبالإمكان تطبيق خيار الدخل الأساسي الشامل في العراق بمرحلة انتقالية في موازنة عام 2018, ويصار فيما بعد الى تشريع دائم يحول جميع عوائد النفط الى المواطنين بالتساوي, وإخضاع هذا الدخل الى ضريبة ثابتة او متغيرة, كما يمكن تخصيص قسم من الدخل النفطي ( لا يقل عن 10% من سنويا ) في صندوق سيادي .

وفي موازنة 2018 , بالإمكان جمع الفقرات التالية :

ت - المبلغ التقديري

1 - تخصيصات البطاقة التموينية,والخلاص من الفساد وسوء الإدارة

6 تريليون دينار

2 - تخصيصات الرعاية الاجتماعية ووضع حد لما فيها من تزوير وفساد

8 تريليون دينار

3 - إلغاء تخصيصات الكهرباء وتحويلها للتمويل الذاتي وإحالة الإنتاج والجباية للقطاع الخاص

6 تريليون دينار

4 - بيع النفط الخام للاستهلاك الداخلي وفق الأسعار العالمية وتحرير أسعار المنتجات من الداخل

9 تريليون دينار

وهكذا نرفع من الموازنة ونضيف لها مبالغ لأتربك موازنة عام 2018 كثيرا .وإذا تم توزيع جميع هذه المبالغ على المواطنين بالتساوي بحسابات تعتمد على السجل الحالي للبطاقة التموينية, نكون قد ألغينا الفقر المدقع وتجاوزنا حد الفقر حسب تعريف البنك الدولي . ويمكن فيما بعد تشريع قانون يحيل جميع إيرادات النفط والغاز الى المواطنين بالتساوي ( .U.B.I) وإخضاع هذا الدخل الأساس للضريبة , وحققنا الخلاص من الدولة الريعية والمآسي التي تنجم عنها, وفي مقدمتها الدكتاتورية والدولة الفاشلة وانتقلنا الى دولة الجباية والإنتاج.