شجرة ادم

منذ أن أبصر النور قبل سبعة عقود، وجد هذا الرجل البصري شجرة آدم شاخصة أمامه بجذعها المستقيم، وأغصانها الكثيفة، ورغم أنه لا يعرف متى وجدت ومن قام بزراعتها، إلا انه شاهد النساء يتجمعن حولها للتبرك وطلب الرزق، والرجال يجلسون عند عتبتها لقراءة القرآن، والطيور المهاجرة تحط عليها قبل أن تواصل رحلتها باتجاه الأهوار.

يقول العم طه ياسين، 70 سنة، وهو أحد سكان قضاء القرنة لـ"نيوزماتيك"، إن "هناك اعتقادا راسخا بأن شجرة آدم شجرة مباركة، لذلك يقصدها الكثير من سكان البصرة في الأفراح والأحزان، ويضعون همومهم وأمنياتهم بالقرب منها، وهناك من يؤدي الصلاة ويقرأ القرآن إلى جوارها"، ويضيف "أما النساء فيقصدن الشجرة للتبرك وطلب الرزق وحل مشاكلهن الاجتماعية".

ويشير طه إلى أن "الكثير من السياح الأجانب والمستشرقين زاروا موقع الشجرة وأعجبوا بها وبالحكايات التراثية التي تناولتها، لكن منذ اندلاع الحرب العراقية الإيرانية (1980-1988) وحتى اليوم لم يأت أي سائح أجنبي لرؤية الشجرة".

ويلفت إلى أن الشجرة "لم تتأثر كثيراً بالحروب السابقة ولا بالظروف المناخية والفيضانات ومواسم الجفاف التي شهدتها المنطقة خلال العقود الماضية، وهذا ما جعلها رمزاً للقوة والصمود من وجهة نظر سكان المنطقة والمناطق المجاورة".

سر الشجرة المعمرة

ويتفق السكان المحليون في قضاء القرنة على أن "شجرة آدم" التي تقع عند التقاء نهري دجلة والفرات في مركز قضاء القرنة 85 كم شمال البصرة، هي أقدم شجرة في المنطقة إلا أنهم لا يعرفون عمرها الحقيقي وسر بقائها، وهو الأمر الذي مازال يثير جدلاً في أوساط علماء النبات والمؤرخين.

وبحسب مدير مركز الإرشاد والتعاون الزراعي المهندس، جمعة خضير عيسى، فإن "شجرة آدم لا يقل عمرها عن ألف عام"، ويضيف "هي شجرة سدر فاقدة للحياة منذ عقود من الزمن، والغريب في الأمر أن ما تبقى من أثرها لم يتحلل على الرغم من اختفاء اثر مئات الأشجار المماثلة التي كانت تنتشر في نفس المنطقة".

بينما يرى خبير الآثار محمد خيون أنه "من الصعب تعيين عمر شجرة آدم على وجه الدقة لأن عمرها يتجاوز حدود المألوف بفارق كبير".

أما المدبر البطرياكي لرئاسة الأسقفية الكلدانية في جنوب العراق، القس عماد البنا، فينفي ما يشاع من أحاديث تشير إلى قدسية "شجرة آدم" لدى أبناء الديانة المسيحية، ويقول "هناك تكهنات استبعد أن تكون واقعية تشير إلى أن القرنة هي نفس المنطقة التي ورد ذكرها في العهد القديم من الكتاب المقدس بصفتها الأرض ذات الأنهار الأربعة".

ويشير القس البنا إلى أن "شجرة آدم تتمتع بمكانة تاريخية ومنزلة تراثية كبيرة لدى الناس، لكنها لا تمت بصلة للديانة المسيحية".

شجرة إبراهيم وليست شجرة آدم

أما رجل الدين الشيخ إحسان رعد فيقول إن "الشجرة الحالية ليست شجرة آدم التي ورد ذكرها في القرآن، ومن يروج لهذا الرأي يتجاهل العديد من ثوابت الدين الإسلامي"، ويوضح "هذه الشجرة كانت تعرف حتى عهد قريب بـ"شجرة إبراهيم" كون نبي الله إبراهيم الخليل قد وطأت قدماه القرنة سنة 2000 قبل الميلاد حيث صلى في مكان الشجرة وتنبأ بوجودها عندما قال: ستنبت هنا شجرة كشجرة آدم في جنة عدن"، ويضيف "هناك رواية دينية أخرى تشير إلى أن نبي الله إبراهيم الخليل هو من قام بزرع هذه الشجرة".

ورغم اختلاف وجهات النظر عن تاريخ وماهية هذه الشجرة التي تستحوذ على اهتمام البصريين، إلا أن العم ياسين ظل حريصا على تلاوة القرآن وقراءة الدعاء بالقرب منها، ويقول إن "العقد الأخير من القرن الماضي شهد تعرض الشجرة إلى الكثير من التجاوزات من أبرزها تشويه جذعها من قبل بعض الصبية الذين يحاولون تخليد ذكرى زيارتهم للشجرة بكتابة أسمائهم بآلات حادة"، ويضيف أن "هناك نوعا آخر من التجاوزات لا يزال قائماً رغم تشديد الحراسة الأمنية على موقع الشجرة حيث تقوم النساء باقتطاع أجزاء صغيرة منها اعتقاداً منهن بأن الاحتفاظ بها يجلب الحظ ويضاعف من فرص السعادة والنجاح في حياتهن الاجتماعية". ويتابع "كما أن السفرات المدرسية أثرت أيضاً على الشجرة لأن التلاميذ يتسلقون جذعها والتشبث بأغصانها من دون الامتثال إلى توجيهات الحراس أو الاستجابة إلى تحذيراتهم".

ويتذكر العم ياسين أنه "في سنة 2002 هاجمت الأرضة الشجرة وأخذت تنخر جذعها وأغصانها لعدة أشهر قبل أن تتم مكافحتها بمبادرة من بعض وجهاء المنطقة".

شجرة الأمنيات

وعلى الرغم من أن مسؤولية العناية بـ"شجرة آدم" تلقى من ناحية رسمية على عاتق المؤسسات التابعة إلى وزارة السياحة والآثار إلا أن وزارة الموارد المائية بادرت في سنة 2005 إلى إنشاء متنزه سياحي في موقع الشجرة، تضمن المشروع، الذي استغرق انجازه نحو عام و تجاوزت كلفته الإجمالية 600 مليون دينار عراقي، تشجير مساحة بلغت 2363 متراً مربعاً وإنشاء مرسى للزوارق على نهر دجلة علاوة على رصف بضعة أمتار من المساحة المحيطة بـ"شجرة آدم" وإحاطتها بسياجين بعد ترسيخ جذعها بالأسمنت.

كما قامت الشركة الأهلية المنفذة للمشروع بإشراف المديرية العامة لكري الأنهر بضم شجرتين قديمتين تقعان على مقربة من "شجرة آدم" إلى موقع المتنزه الذي يخضع منذ انطلاق خطة "صولة الفرسان" في الخامس والعشرين من شهر آذار الماضي إلى حراسة أمنية مشددة من قبل قوات الجيش العراقي، ونفذ المشروع الذي يعد من أهم المشاريع السياحية التي شهدتها محافظة البصرة منذ سنة 2003 بالاعتماد على تصاميم وضعها المكتب الاستشاري والهندسي التابع لجامعة البصرة.

"شجرة آدم" مازالت معلما بصريا ينتظر كل موسم شتاء عودة أسراب الطيور المهاجرة، وحكايات النساء، ومواعيد العشاق وأمنياتهم التي يتركونها على أغصانها العتيقة.

المصدر