ياسين الهاشمي

ياسين حلمي بن السيد سلمان الهاشمي ، ولد ببغداد ( محلة البارودية ) سنة 1884 ، ودرس في المدرسة العسكرية في الاستانة وتخرج فيها ضابطا (1902) ثم واصل الدراسة في مدرسة الأركان . اشترك في حروب الدولة العثمانية واشتهر أمره في الحرب العالمية الأولى ، اذ عين قائدا للفرقة العشرين أثناء معركة غاليسية في الدفاع عن النمسا فصد الهجوم الروسي الكبير ، فقلد وساما رفيعا ، ثم نقل إلى جبهة شرقي الأردن . وعندما دخل الجيش العربي إلى دمشق استدعاه الأمير فيصل وأمنه وعينه رئيسا لأركان الجيش ، وبعد انهيار الحكومة العربية في دمشق على يد الجيش الفرنسي عام 1920 مكث فترة في دمشق ، ثم عاد إلى بغداد في ربيع 1922 ، فعين متصرفا أولا ثم تولى وزارات عديدة حتى عهد إليه رئاسة الوزراء في آب 1924 . وبعدها تولى مناصب وزارية ونيابية رفيعة ، كان فيها مثلا للجرأة والنباهة والرصانة ، وتزعّم في أواخر العشرينيات وبداية العقد التالي المعارضة البرلمانية . وفي آذار 1935 تولى رئاسة الوزراء للمرة الثانية ، وكانت من اقوى الوزارات في تاريخ العراق الحديث ، ولم تسقط إلا بانقلاب عسكري قاده الفريق بكر صدقي في تشرين الأول 1936 ، فترك العراق كمداً . كان الهاشمي شخصية موهوبة وسياسيا حصيفا وعسكريا لا يشق له غبار ، وله العديد من المواقف الوطنية، وقد آثر المصلحة الوطنية في كل توجهاته ، فقال فيه الجواهري:

وسَيّان قالوا خطبة مضرية

لياسين أم تقدم جحفل

ياسين رئيسا لاركان الجيش

أثارت تحركات ياسين الهاشمي رئيس أركان الجيش العربي بريطانيا، لتجهيزه الجيش وتحديثه، واستبداله بجيش نظامي بدل الجيش العشائري القبلي، الذي دخل مع فيصل الشام، ليكون القادر على مواجهة القوات الفرنسية إن تحركت لاحتلال سورية. كما كان وراء قرار التجنيد الإجباري، وساعد الثورة في المنطقة الغربية ضد فرنسا، ويعمل لتفجير ثورة ضد بريطانيا في العراق. كما شكلت شعبيته داخل الجيش والشعب مثار حقد وكراهية في صفوف القيادة البريطانية، وبعض زملائه من حزب العهد وحتى. من بعض أعضاء السلطة. فكان يحظى باحترام وتقدير الجميع لنزاهته ووطنيته وقوميته الصادقة.

كانت تحركات ياسين ثم رمضان المكلف من قبله في أوساط العشائر العربية، وخاصة بعد وصول رمضان شلاش إلى القبائل العربية القاطنة في الفرات والجزيرة، ترصد بعيون الجواسيس والاستخبارات البريطانية، فقد وردت إلى القيادة البريطانية تقارير استخباراتية خلال شباط وتموز ثم بعد ذلك في تشرين الأول 1919 تؤكد أن رمضان شلاش يحرض العشائر والقبائل في المنطقة ضد الإنكليز، وبدافع من ياسين الهاشمي الذي يخطط مع رمضان من أجل تفجير الثورة في منطقة الفرات، لتمتد إلى كافة أنحاء العراق ، وأمام احتمالات الثورة في العراق التي يسعى إليها رمضان شلاش بتحريض من ياسين، رأت القيادة البريطانية أن بقاء ياسين الهاشمي في منصبه كرئيس لأركان الجيش أصبح خطراً على مخططاتها وأهدافها فتذكر المس غيرترود بل في تقرير لها في 15 تشرين الثاني 1919 بعد أن زارت سورية قالت فيه: ".. إن ياسين هو الروح المحركة للعهد العراقي الذي يوجد فيه حوالي 300 من أعضائه في خدمة فيصل "ثم قالت: ".. واثقون بدرجة مماثلة من أن ثمة استياء شديداً يعم كل الطبقات في العراق". وبينت أن ياسين وجماعته يعملون على تأسيس حكومة عربية في العراق خارج الاحتلال البريطاني. فكان رد فعل أرنولد ولسن الحاكم البريطاني في العراق: ".. إن تأسيس حكومة عربية وفق الأسس التي يدعو إليها ياسين.. وناجي "السويدي" أمر يتناقض مع أي نوع من السيطرة الفعلية. ولمدة من الزمن تستغرق بضع سنوات. لن يؤدي تعيين موظفين عرب. اللهم إلا بصفة استشارية إلا إلى انحلال سريع في السلطة والقانون والنظام" .

اعتقال ياسين الهاشمي

يظهر أن السلطات البريطانية قد ضاقت ذرعاً من تحركات ياسين الهاشمي المعادية، وبموافقة الحكومة البريطانية قامت القيادة البريطانية في 22 تشرين الثاني 1919 باعتقال الفريق ياسين باشا الهاشمي رئيس أركان الجيش العربي. حيث دعاه القائد البريطاني في دمشق لتناول الشاي في معسكره، فاستجاب الهاشمي للدعوة، وما إن وصل إلى المعسكر البريطاني، حتى تم اعتقاله من قبل القوات البريطانية، وتم إرساله مخفوراً إلى مدينة الرملة في فلسطين للتحقيق معه. ثم وضع في حيفا تحت الإقامة الجبرية حتى 14 أيار 1920 فأطلق سراحه وعاد إلى دمشق.

أسباب الاعتقال

في تقرير رفعه الجنرال /اللنبي/ لوزارة الحرب البريطانية بيّن فيه أسباب اعتقال ياسين الهاشمي، وهي: "رئاسته للحزب الوطني المتطرف، ولأنه تحدى سلطاته بشكل مفضوح، واستمر في دعمه للقوات الشريفية في البقاع، مع أنه منعه من ذلك، بالإضافة إلى أن قبيلة الفضل هاجمت مفرزة بريطانية بجوار القنيطرة. وكانت قليلة العدد وأنها اضطرت للانسحاب. وأن هذا الموقف العربي المعادي لبريطانيا في هذه الفترة كان مدعوماً من قبل ياسين الهاشمي. وباستمرار عصيانه لأوامره التي أرسلها لدمشق/ وبتحديه العلني لسلطة اللنبي. فقرر توقيفه" وأسباب أخرى يسوقها الدكتور علي سلطان في كتابه تاريخ سورية (1918-1920)، فيذكر منها تزعمه للحزب العراقي في سورية الذي يطالب باستقلال العراق التام، مثله مثل سورية، وهذا تحدّ خطير ضد سلطة بريطانية في العراق. وتبدأ قصة إبعاده عن سورية منذ شهر تموز 1919، عندما شعرت القيادة البريطانية بأنه أصبح خطراً على المخططات الاستعمارية الإنكليزية. فأرسلت للعراق تسأل المفوض السامي البريطاني إذا كان يقبل بزيارة الهاشمي لبغداد لبعض الوقت. فأجاب بالرفض. لأنه قد يسبب الاضطراب فيه. وقد وصفه الضابط السياسي البريطاني في العراق بأنه "جندي" ممتاز وذكي وطموح ومتعصب، ويطالب بالاستقلال التام، وهو أيضاً خطير. وبأنه رئيس الحزب العراقي الذي يطالب بالاستقلال التام للعراق، وبأنه يثير القبائل العربية في العراق والجزيرة العربية ضد البريطانيين". ولهذا يرفض المفوض السامي البريطاني في العراق دخوله العراق بشكل قاطع .

واتهم ياسين الهاشمي أيضاً بأنه يُجري اتصالات مع الأتراك، للعمل على دعم استقلال سورية. ويقوم بنشر دعاية مضادة للتواجد الفرنسي، ويعمل على تشكيل جيش لمقاومة شعبية مسلحة ضد الفرنسيين، ويقوم بتوزيع السلاح والأموال على القبائل العربية. وكان وراء مشروع التجنيد الاجباري في سورية لمقاومة المخططات الفرنسية الاستعمارية. وفي 10 كانون الأول 1919 بعث الجنرال كلايتون رئيس المكتب البريطاني في القاهرة رسالة إلى الأمير فيصل الذي كان في باريس، تتضمن سبب اعتقال رئيس أركان جيشه. هو قرار الهاشمي بالتدخل عسكرياً في لبنان ضد القوات الفرنسية . فقد كانت آنذاك ضعيفة والقوات العربية قادرة على هزيمتها.

ومن التقارير الفرنسية التي بينت أسباب اعتقال ياسين الهاشمي تقرير /لافوركارد/، الذي أرسله قبل الاعتقال في 26 أيلول 1919 أشار فيه إلى خطورة الهاشمي كونه عضواً في اللجنة الوطنية العليا في سورية، وأنه روحها، وعلى استعداد ليس لمحاربة الأوربيين فقط وإنما للانقلاب على فيصل إذا تعاون معهم.

وحصل /بيكو/ من أحد العملاء الجواسيس السوريين على تقرير أعدّه الفريق الهاشمي للقيادة تحت رقم /1331/ بتاريخ 2 أيلول 1919، كان ينص على معلومات خطيرة حيث قال فيه: "سوف نضطر لمحاربة دولة كبيرة. ويجب أن نستخدم ما يلي .. اللواء الأول. واللواء الثاني مع قوات البدو والدروز أمام قوات بيروت الفرنسية. واللواء الثالث أمام القوات الفرنسية في الاسكندرون. والكتيبة السادسة الموجودة في حماة. وبطارية المدفعية في حمص. وقوات البدو تحت قيادة /رضا بك العسكري/ أو /جعفر/ أمام القوات الفرنسية في طرابلس مع المجندين. وسوف يسود الأمن في الداخل بواسطة الدرك والشرطة. وعلى كل قائد كتيبة أن يرسم خريطة للجبهة التي تحافظ عليها كتيبته. ويرسم الخرائط والمقاييس الضرورية. ويرسل في الحال أي تطور عن كتيبته. ومن حكمة الرأي اتخذت هذا القرار وعدداً آخر مثله لقضايا أخرى. وسوف أبلغ الإدارة أن تحفظه بسرّية تامة." كانت خطة قتال ضد فرنسا مما أرعب فرنسا وبريطانيا معاً فهي تنسف مخططاتها الاستعمارية معاً، وكانت هذه الأوامر برأي /بيكو/ سبباً لاعتقاله.

رد الفعل لاعتقال الهاشمي

سارت مظاهرات جماهيرية في سورية والعراق منددة باعتقال ياسين الهاشمي، كما أغلقت دمشق أبوابها احتجاجاً، وصدرت الصحف في دمشق وبعض الدول العربية بإطار أسود، وتحمل تعليقاتها وأخبارها احتجاجات الجماهير العربية على اعتقال الهاشمي. كما طيرت الجماهير والمنظمات والأحزاب الوطنية والعربية برقيات إلى السلطات البريطانية، تطالبها بإطلاق الفريق ياسين الهاشمي، معتبرةً اعتقاله إهانة للعرب وللحكومة الشريفية ولجيشها. وكانت حلقات من الجماهير تُعقد في الساحات تُلقى فيها أشعار التمجيد للهاشمي، وتندد بالإجراء البريطاني التعسفي الحاقد. وقد ألقى الشاعر العراقي معروف الرصافي قصيدة وطنية بحق الهاشمي قال فيها:

أفأنت للوطن العزيز مودع

ياسين إنك بالقلوب مشيع

سرعان ما نقضوا العهد وضيعوا

أين الذمام ونحن من حلفائهم

فالشعب خلفك هائج ومائج

إن أخرجوك من المواطن مكرها ً

ورؤوسهم فيها لسيفك تركع

ولتسعرّن مصامعاً يصلونها

أما الأمير فيصل الذي بلغه أمر اعتقال الهاشمي وهو في باريس يعالج المشكلة السورية والعربية معاً. فقد تقدم باحتجاج شديد للسلطات البريطانية لاعتقال رئيس أركان جيشه، وأوضح للقيادة البريطانية بأنه صاحب الصلاحية في أمره، وأن كانت هناك تهماً بحقه، ولا يحق للسلطات البريطانية أن تحاسبه. إلا إن الحكومة البريطانية لم تستجب لطلبات فيصل المتكررة بتسليم ياسين له، على أن يقوم هو بمحاكمته أن كانت هناك تهم قد ارتكبها حقاً.

وعاد فيصل إلى دمشق دون أن يستطيع أن يطلق سراح ياسين الهاشمي. فاستقبلته الجماهير ببرود لهذا السبب. ورّفعت لافتات في شوارع دمشق تحمل عبارات تهكم ضد فيصل حيث كتبت عليها: "أين قائد جيشك يا أمير؟" وألح فيصل على الجنرال /اللنبي/، ولإطلاق سراح الهاشمي حاول /اللنبي/ الاستجابة لنداءات فيصل، إلا أن التنسيق الذي كان يجري بين فرنسا وبريطانيا للهيمنة على سورية والعراق منعه من الاستجابة، فقد رفض الجنرال /غورو/ الذي كان في بيروت إطلاق سراح الهاشمي، حين استشاره /اللنبي/ في موضوع إطلاق سراحه وبعدها لم يستجب /اللنبي/ لفيصل، فاقترح فيصل تشكيل لجنة من ثلاثة مندوبين عسكريين من جنسيات ثلاث لتقرير مصيره، وقال.. "إن اللنبي ليس له أي سلطة قانونية لاعتقال ياسين الهاشمي"، إلا أن نداءات وطلبات فيصل ذهبت أدراج الرياح لأن فرنسا وبريطانيا تشعران بخطورة ما أقدم عليه الهاشمي حين كان رئيساً لأركان الجيش. فحسب تقرير إستخباراتي فرنسي ذكر أن ياسين أصدر أوامره بفرض التجنيد الإجباري في الجيش العربي لـ /12/ ألف رجل. وأن السلطات البريطانية، ألقت عليه القبض لإشعار آخر.. وأن المعونة البريطانية ستوقف عن سورية. وقد أُعتقل الهاشمي لاستجوابه، وأن وزارة الحرب البريطانية تفكر بنقلة إلى لندن كي يحاسبه فيصل. وفي الحقيقة هذا يعني عودته إلى سورية ويمكن اعتبار أعمال ياسين من وحي فيصل لمقاومة الاحتلال الفرنسي .

شكل ياسين الهاشمي خطراً حقيقياً على مخططات فرنسا وبريطانيا من خلال موقعه كرئيس لأركان الجيش العربي، وبأفكاره المضادة لهذه المخططات. بل بالعمل على إفشالها، وتحقيق استقلال سورية والعراق معاً. لهذا لم تستجب بريطانيا لفيصل ولا لرأي العام العربي. وبقي ياسين رهن الاعتقال حتى 14 أيار 1920. وعاد إلى دمشق بعد أن استكملت فرنسا استعداداتها العسكرية لاحتلال سورية. ولكن في العراق كان الأمر مختلفاً فقد كانت ثورة دير الزور بدأت تحقق أهدافها، والتي كانت بوحي من ياسين وتخطيطه، نفذها رمضان شلاش، ثم تابعتها جمعية العهد.

الانقلاب عليه ووفاته

اشتهر ياسين الهاشمي بكونه أول رئيس وزاء عراقي يتم الاطاحة به عن طريق انقلاب عسكري حيث قام بكر صدقي بانقلابه الشهير عام 1936. نتيجة لهذا الانقلاب فر الهاشمي إلى سوريا ومكث في دمشق إلى ان وافاه الاجل بعد شهرين من فراره إذ توفي سنة 1937 مدفون بجانب قبر السلطان صلاح الدين الأيوبي في الجامع الأموي بدمشق.

المصدر

مراجع

  • وجوه عراقية، توفيق السويدي العباسي
  • صفحات من تاريخ العراق الحديث المؤلف : حامد الحمداني : ص 129