مقبرة وادي السلام

الثوية ومقبرة وادي السلام أو(مقبرة النجف الكبرى)

ورد مصطلح الثوية في كتب اللغة والتاريخ والجغرافية والأدب، وكذلك كتب التفسير عند تصديها لتفسير آيات قرآنية توضح المعنى المتقدم.

ففي اللغة : يرى ابن منظور أن الثوية بمعنى ثوى بمكان أي نزل فيه ، وبه سمي المنزل مثوى والمثوى هو الموضع الذي يقام فيه(1) ، أما الرازي : "ثوى بالمكان يثوى بالكسر ثواء وثويا أيضا بوزن مضى أي أقام به"(2)، والثوية ، مؤنث الثوى ، وجمعها أثوايا ، والثوى هو المقيم المستقر(3)، وثواء بالمد أقام، وثاو، والمثوى أي المنزل(4).

وارتبطت منطقة الثوية بتاريخ مملكة الحيرة العربية قبل الإسلام ارتباطا مباشرا وعلى طوال تاريخها ، وقد ذكرت بعض المصادر أن الثوية كانت سجنا للنعمان بن المنذر(5) ومن المحتمل أن اتخاذه لهذه المنطقة سجنا لوقوعها في طرف الصحراء والذي يلاقي حتفه في هذا السجن سرعان ما يقبر في هذه المنطقة.

وقد أشارت بعض المصادر إلى أن منطقة بانقيا كانت مقبرة لليهود ، ويرجع تاريخ هذه المقبرة إلى عهد إبراهيم (عليه السلام) على أثر نزوله وشرائه لها وقال إنه يحشر من ولده من ذلك الموضع سبعون ألف شهيدا ، فاليهود تنقل موتاها إلى هذا المكان لهذا السبب)(6) فضلا عن ذلك إلى أن منطقة الثوية كانت تضم مقبرة للنصارى الذي كانوا ينتشرون في هذه البقعة الجغرافية – منطقة النجف – ويشكلون عددا غير قليل من السكان المحليين لمدينة الحيرة.

من خلال ما تقدم نلحظ أن الثوية ، مقبرة قديمة يعود تاريخها إلى عصر ما قبل الإسلام وقد شكلت رقعة جغرافية واسعة في منطقة الظهر ، وقد كانت مقبرة لسكان الحيرة الذين يشكلون طوائف وديانات مختلفة ، حيث كانت هذه المنطقة مقدسة في نظر اليهود والمسيحيين كلا حسب منظوره واعتقاده ، وقد أصبحت فيما بعد مقبرة إسلامية واسعة النطاق .

وعليه يمكن القول إن تاريخ منطقة النجف يمتد على عصور قديمة سبقت ظهور الإسلام قد لا يمكننا الجزم بفاصل البعد التاريخي لهذه المنطقة ، وذلك يعود لافتقارنا إلى كثير من المعلومات عنها لأنها لم تزل بكرا إذ لم تصل إليها بعد التنقيبات بالشكل الذي يستطاع من خلاله كشف اللثام عن الكثير من الحقائق التاريخية التي لم تزل موضع حدس وتخمين.

هذا الأمر قد شكل عائقا على أمام الباحثين في إجراء دراسات كافية عن هذه المنطقة لسد الثغرات الموجودة في صفحات تاريخها ، وحتى الحفريات التي جرت فقد كانت محدودة إحداها قام بها رايس سنة1932م ، والاخرى قام بها المتحف العراقي سنة 1950م(7)، وكان آخرها ما قامت به البعثة الآثارية اليابانية سنة 1972م في عين شيا وكهوف الدكاكين الواقعين على بعد 14 كم غرب مدينة النجف وعلى امتداد المرتفع الصخري(8)، وقد استظهر اليابانيون عددا من الابنية الدينية بدلالة الرسوم والصلبان على الكسائر الجصي اضافة الى عدد من القلاسيات الرهبان المتعبدين(9)، وكلها تعود إلى عصور سبقت ظهور الإسلام، وقد خرجت هذه البعثة بمعلومات قيمة ومهمة وأكدت على وجود عدد من المواقع الأثرية في هذه المنطقة ، أضف إلى ذلك أنها كشفت النقاب على أن هذه المنطقة كانت مقاما لقدوم مجاميع بشرية عاشت فيها أثناء طريقهم من الغرب إلى الشرق وبالعكس في الفترة المحصورة بين القرن الثالث والسابع بعد الميلاد(10). ولو استمر عمل هذه البعثة لكشفت لنا عن معلومات وحقائق تاريخية مهمة.

تعود عادة الدفن في مدينة النجف الأشرف إلى العصر الراشدي (11-40هـ) ، وقبيل أن تتشرف أرض الغري بجسد أمير المؤمنين (عليه السلام) فقد أعتاد الكوفيون الدفن في منطقة الثوية، كما أعتاد الحيريون من قبل الدفن في بانقيا ، وقد احتضنت أرض النجف أجساد الأنبياء والصالحين والصحابة والتابعين ، فقد كانت منطقة (ظهر الكوفة) مدفنا لهؤلاء ، ومن ثم انحصر الدفن في جوار أمير المؤمنين (عليه السلام) ، وتحولت الأرض إلى مدفن واسع دعي بوادي السلام ، وقد أشارت المصادر إلى مدفن اليماني في النجف في عهد خلافة أمير المؤمنين في الكوفة (36-40هـ) ومدفن الصحابي الجليل خباب بن الارت رحمه الله ، وقد صلى على جنازته أمير المؤمنين (عليه السلام) ووقف على قبره وقال : (رحم الله خبابا أسلم راغبا وهاجر طائعا ، وعاش مجاهدا ، وابتلى في جسمه أحوالا ، ولن يضيع الله أجر من أحسن عملا)(11) ووقف الشعبي المتوفى عام 104هـ بظاهر الكوفة ، فالتفت إلى مقبرة وقال : (وهذه كفات الأموات)(12) وقد أراد قوله تعالى : ((ألم نجعل الأرض كفاتا أحياء وأمواتا))(13) وبعد استشهاد الإمام على (عليه السلام) عام 40هـ أخذ الناس يزورون قبره الشريف خفية ويدفنون موتاهم حوله ، ومن ثم أخذت مقبرة وادي السلام في البروز، وأخذت مقبرة الثوية أو الجبانة بالاختفاء ، وبعد سقوط الدولة الأموية عام 132هـ ، أخذت العمارة تتوالى على القبر الشريف ، فأصبحت عند ذلك النجف دار سكن ومأوى ، ودار دفن وجوار ، وقد أحب الناس هذه المجاورة أحياء وأمواتا ، وأخذت الجنائز تنقل إلى أرض النجف الأشرف من أرجاء المعمورة ، حتى أصبح نقل الموتى تقليدا شائعا(14).

وقد كان للناس رغبة في الحصول على شفاعة الإمام علي (عليه السلام) عند الله تبارك وتعالى لتخفيف ذنوبهم (15). وقد حاولت الدولة الأموية إيقاف هذه العقيدة وأبعاد فكرة وجود الإمام (عليه السلام) في أرض النجف ، وذلك حاول الوالي الحجاج بن يوسف الثقفي تنفيذ هذه الفكرة، فأقدم على نبش ثلاثة آلاف قبر في النجف طلبا لجسد أمير المؤمنين (عليه السلام)(16) ومن المحتمل أنه نبش قبور الثوية الواقعة في ظهر الكوفة والتي كانت تضم قبور الصحابة والتابعين وأهالي المدينة ، لأن النجف – وهي لا تبعد عن الثوية بأكثر من كيلو متر واحد – لم تكن مبنية في هذه الفترة ، ولم يكن قبر الإمام علي (عليه السلام) بارزا إلى الوجود ، وإنما ظل القبر سرا مكتوما لا يعلم به إلا أولاد الإمام (عليه السلام) والخواص من شيعته ، وبقي على هذا الحال منذ سنة 40هـ ، حتى أنقضى عهد الدولة الأموية ، وجاءت الدولة العباسية عام 132هـ فظهر السر المكتوم ، وذهب ما كان يحذره العلويون من أعدائهم فدلوا عليه بعض شيعتهم وجعلوا يترددون إليه ويتعاهدونه ليلا ونهارا زرافات ووحدانا ، ولم يكن حينذاك إلا أكمة ماثلة أو ربوة قائمة(17) وبدأ الدفن حولها ، وما زالت مقابر السلاطين والقادة والأمراء قريبة من المرقد الشريف ، وتضم أواوين الصحن وسراديبه مقابر كثيرة وسراديب مملوءة بعظام الموتى ، وقد حدد المستشرق الألماني (آدم متز) القرن الرابع الهجري بأنه بداية الدفن في النجف بقوله : ظهرت بين الشيعة عادة لا تزال باقية إلى اليوم وهي حمل موتاهم إلى النجف وكربلاء(18)ولكن الدلائل والنصوص تشير إلى أن الدفن في النجف يعود إلى أسبق من هذه الفترة ، ولدينا نص عن الإمام الصادق (عليه السلام) ، المتوفى عام 148هـ يؤكد فيه على فضيلة الدفن في أرض النجف ، فقد سأل مروان بن مسلم ، الإمام الصادق (عليه السلام) : أن أخي ببغداد وأخاف أن يموت فيها ، فقال : ما تبالي ما مات أما أنه لا يبقى أحد في شرق الأرض ولا في غربها إلا حشر الله روحه في وادي السلام قال : قلت جعلت فداك ، وأين وادي السلام ؟ قال ظهر الكوفة ، أما أني كأني بهم حلق قعود يتحدثون(19) ومما يضعف رأي آدم متز ، أنه تحدث عن القرن الرابع الهجري الذي يعد قرن حرية واطمئنان في أرض النجف ، فكان من الطبيعي أن يحمل الناس موتاهم وبصورة علنية إلى أرض النجف لدفنهم.

وقد أكدت الأحاديث المروية عن أهل البيت (عليهم السلام) على فضيلة أرض النجف والدفن في تربتها وأنها (وادي السلام) الذي تحشر فيه الأرواح.

وقد وقف الإمام علي (عليه السلام) ذات يوم في ظهر الكوفة ، وقد خاطب حبة العرني (لو كشفت لك لرايتهم حلقا حلقا مختبئين يتحادثون) فقال حبة العرني : أجسام أم أرواح ، فأجابه الإمام (عليه السلام) : (أرواح وما مؤمن يموت في بقعة من بقاع الأرض إلا قيل لروحه ألحقي بوادي السلام ، وأنها بقعة من جنة عدن) فقيل له : وأين وداي السلام؟ قال : ظهر الكوفة ، وقال (عليه السلام) للأصبغ بن نباته : (لو كشف لكم لألفيتم أرواح المؤمنين في هذه حلقا حلقا يتزاورون ويتحدثون في هذا الظهر)(20) وفي حديث للإمام علي (عليه السلام) ، وهو يخاطب أرض (ظهر الكوفة) بقوله : (ما أحسن منظرك ، وأطيب قعرك ، اللهم أجعله قبري) ومن خواص تربته إسقاط عذاب القبر وترك محاسبة منكر ونكير هناك ، (وكان عليه أفضل الصلاة والسلام إذا أتى أرض النجف يقول : وادي السلام مجتمع أرواح المؤمنين ، ونعم المضجع للمؤمن من هذا المكان) وأشار إلى موضع قبره الشريف بقوله : (اللهم قبري بها)(21) وورد لفظ (براثا) كناية عن الأرض السهلة ، ويقصد بها وادي السلام، يقول الإمام الصادق (عليه السلام) : (أن إلى جانبكم مقبرة يقال لها براثا يحشر فيها عشرون ومائة ألف شهيد كشهداء بدر)(22).

وإن الكثير من أبناء السنة في العراق وخارجه يوصون بدفنهم في مدينة النجف الأشرف لما ورد فيها من أحاديث عن آل البيت (عليهم السلام) سواء في المبيت فيها أو في الدفن بأرضها ، كقول الإمام الصادق (عليه السلام) : (أن الغري قطعة من طور سيناء ، وأنها بقعة من جنة عدن وإن ميمنة الكوفة روضة من رياض الجنة ، وإن النوم عند علي عبادة)(23) وقد شجعت مثل هذه الأحاديث على المجاورة والدفن ، وأصبحت النجف مدينة عامرة كبيرة ، وإن لم تمتلك خصائص المدينة المشجعة على السكن لندرة المياه فيها ووقوعها على طرف الصحراء ، وأصبحت مقبرتها أعظم مقبرة في العالم كله(24) وقيل : أنها تأتي بعد مقبرة الفاتيكان من حيث المساحة(25) وقد قدرها (وليم بيوز) عام 1745م بأنها أكبر من مساحة المدينة نفسها(26) وإذا أخذت المقبرة طابع الهندسة والتنسيق والتنظيم ، لامتدت إلى مسافة طويلة ولشغلت مساحة أضعاف المساحة الحالية ، وقد اكتسبت المقبرة مكانة دينية عند الناس ففيها مقابر الأولياء والصالحين والعباد والناسكين ومقامات الأئمة سلام الله عليهم ، ويقول المستشرق الفرنسي (ماسنيون) : أصبحت مقبرة وادي السلام مقدسة في نظر الناس(27) ويقول الأستاذ إسحاق نقاش : (وأصبحت مقابر النجف تعتبر أكثر قدسية عند المؤمنين الشيعة الأتقياء)(28) ويقول أدور ينابلييه : (وإن أمنية كل شيعي هي أن تدفن جثته بعد موته في الأرض المقدسة بجوار مراقد الأئمة (عليهم السلام) في مشهد أو الأفضل في النجف أو كربلاء بالعراق وتوجد قوافل مختصة بنقل جثث الموتى إلى تلك النواحي(29).

وكتب القنصل البريطاني في كرمنشاه عام 1904م يقول : يدفع عن الجنائز التي تصل من الخارج رسوم قدرها (50 بيزة) وإن الجنائز العثمانية فلا يدفع عنها المكتب الصحي سوى (20 بيزة ) كما أن السلطات المحلية في كربلاء والنجف والكاظمية تتقاضى من ناحيتها حق الدفن الذي تتراوح قيمته حسب درجة قدسية المكان الذي يتم اختياره خمسة آلاف بيزة للجثة التي تدفن في الحرم المقدس في كربلاء والنجف(30) ولكن لم نعثر على رقم محدد لعدد الجنائز التي تدفن في النجف على مدى اليوم أو الشهر أو السنة ، فقد أشارت إحصائيات إدارة الصحة التركية العامة لسنة 1912-1913م إلى عدد المدفونين في النجف ، ومن خارجها (7558 جثة) ، وفي عام 1914م إلى حصل أحد اليهود البغداديين على امتياز من دائرة الأوقاف بعد دفعه رسما مقداره (13 ألف ليرة عثمانية) ذهبية ليقوم بنقل الموتى إلى مدينة النجف الأشرف ولمدة ثلاث سنوات(31) وقد أشارت الكاتبة البريطانية (المس بيل) إلى أنه في شتاء عام 1919م-1920م سمح بنقل الجثث الطرية من بغداد لتدفن في النجف(32) وكانت الحكومة العثمانية من وقت لآخر تمنع نقل الجنائز إلى مدينة النجف لأسباب صحية وسياسية.

و يحتضن وادي السلام في مدينة النجف الأشرف مساحة كبيرة من الأرض تشمل المنطقة الشمالية الشرقية منها ، فتبرز مدينة النجف وكأنها مطلة على مخيم فيه القباب والمصاطب والحفائر والدكاك ، تلك هي الجبانة التي ترفرف في سمائها أجيال وأجيال من أرواح البشر(33) وقد وصف الرحالة المصري محمد ثابت هذا المشهد بقوله : (المقابر تمتد إلى الآفاق من قباب فاخرة إلى أضرحة بسيطة لإيواء آلاف الجثث التي كنت أراها تنقل على السيارات أو على الأكتاف من الآفاق الإسلامية وبخاصة العراق وفارس)(34) ويقول الدكتور زكي مبارك : (ثم عبرت إلى النجف وادي السلام ، وهو مقابر طوال عراض عرفت ملايين الناس من سائر الأجناس)(35) وقامت مجلة (المصور) المصرية باستطلاع عام 1958م لمدينة النجف الأشرف وأشارت إلى مقبرة وادي السلام بقولها : وعندما تدخل النجف قادما من بغداد تطالعك آلاف المقابر بصورة تذكرك على الفور بقول أبي أبي العلاء المعري المشهور:

صاح هذي قبورنا تملأ الرحب فـأيـن القبور مـن عـهـد عــاد

ولما تستوضح السر تعلم أن كثيرا من أهل العراق ، ومن أهالي العالم الإسلامي يوصون بدفن موتاهم في النجف(36) وقد استشهد الأستاذ محمد مهدي الجواهري بأبي العلاء المعري أيضا عند ذكره لمقبرة النجف فيقول : وفي أديم النجف اختلطت أجداث آلاف ، ولربما ملايين الناس من عصور عديدة ، وليس في غيرها مما في العالم كله ، تتمثل حكمة المعري العظيم(37)

رب لحد صار لحدا مرارا ضاحكا من تزاحم الأضداد

وقد تمنى الكثير من المسلمين الحصول على كمية من تراب النجف في حالة عدم تمكنهم بالوصول إليها ، فيذكر الأستاذ جعفر الخياط : إذا تعذر نقل الميت الى النجف لبعد المسافة يؤتى كمية من تراب النجف لوضع في قبر الميت ، فقط طلبت ( باهوبكم ) زوجة شجاع الدولة بجلب قليل من تراب النجف وكربلاء ليفرش في قبرها حينما تدفن فيه (38) وفي عام 1990 طلب مني أحد الأساتذة الجامعيين في المغرب كمية من تراب النجف ليأخذه هدية لأمه ، وقد استجبت لطلبه فقال : أن هذا التراب أغلى هدية أحملها من العراق الى المغرب ، ولذلك كان الناس يغبطون سكان النجف لمجاورتهم أمير المؤمنين عليه السلام والدفن بجواره .

أن وادي السلام يحتضن طرفي المشراق والعمارة ، ويأخذ خطا موازيا لطريق النجف - الكوفة ، وطريق النجف - كربلاء ، وهذا الوادي على سعته هو جزء من المقبرة التي كانت تجاور الصحن الشريف ، لأن الناس كانوا يدفنون موتاهم بأقرب منطقة من الصحن والمرقد الشريف ، وكلما تأخذ مدينة النجف بالتوسع عبر أسوارها ، تكتسح المقابر وتشيد مكانها البيوت والأسواق والمؤسسات الأخرى وعند بناء السور الأخير لمدينة النجف الأشرف في القرن الثاني عشر الهجري / الثامن عشر الميلادي استقر وضع وادي السلام في موقعه الحالي ومن ثم بناء ( المقبرة الجديدة ) التي أخذت إمتدادا طوليا موازيا لخط النجف - كربلاء ، وكانت الخارطة التي وضعها (نيبور) عام 1765 م ، وقد شملت السور ما قبل الأخير لمدينة النجف ، وهو السور الرابع وحدوده ( باب السيف ) من جهة السوق الكبير ، وقد وقفنا مؤخرا على عدد كبير من المقابر في هذه المنطقة بعد حدود السور ، هذا يعني ان المنطقة الممتدة من ( باب السيف ) الى الميدان كانت مملوءة بالمقابر في الوقت الذي وصل (نيبور) الى مدينة النجف الاشرف ، وقد اكتسحت عند بناء السور الأخير الذي بقاياه اليوم في شارع السدير ، وخلف خان الشيلان ، ولا شك ان توسع المدينة يستدعي إزالة قسم من المقابر ، وإلا تكون مانعا من الإمتداد والسكن (39) وفي عام 1940 بوشر بوضع السور لمقبرة وادي السلام ليعزلها عن المدينة (40) لكي لا تزحف المؤسسات السكنية والخدمية والتجارية ونحوها ، وفي عام 1942 م وجه متصرف لواء كربلاء عناية لإكمال تسوير المقبرة وتشجيرها (41) ومنذ هذا التأريخ أصبح الجانب الشرقي من مدينة النجف الأشرف مسلكا واضحا للدخول إلى المدينة ، وبخاصة بعد إزالة السور الأخير الذي كان يحتضنها ، وأصبح الشارع الرئيس ( شارع الإمام علي عليه السلام ) المؤدي إلى مدينة الكوفة من جهته اليسرى حدود ( وادي السلام ) ومن جهته اليمنى قد خصصت للسكن والمؤسسات التجارية والحكومية ، وأخذ وادي السلام يطوق النجف من الجهة الشمالية وبخاصة من طرفي المشراق والعمارة وعلى إمتداد هذي الطرفين أخذت المقبرة بالتوسع حتى تخطيط المقبرة الجديدة التي تتميز بإنعزالها عن مناطق السكن والأحياء الجديدة ، وبنيت هناك مكاتب للدفن ومغتسل ( النجف الخيري ) وفي عام 1991 خصصت الحكومة بقعة جديدة للدفن ، تبعد عن مدينة النجف بأكثر من عشرين كيلومترا ، وهي تقابل الخط المؤدي إلى مدينة الكفل ، والمتفرع من خط النجف - كربلاء ، وقد جاء هذا التخطيط بعد الحوادث التي وقعت ضد السلطة في النجف وإستخدام الثوار ( وادي السلام ) مواضع لحركتهم ، مما جعل الحكومة تصدر أمرا بمنع الدفن في الوادي ، فأضطر الناس على دفن الموتى في مقبرة كميل بن زياد النخعي ، أو حول مقبرة السيد حمزة في الجريوية ، او حول مرقد ميثم التمار ، أو قرب مسجد السهلة وقد توقف الدفن في هذه الأماكن عند سماح الحكومة بالدفن في المقبرة التي تقابل مفرق الكفل والمتفرع من خط النجف - كربلاء ، ولكن بعد استتباب الوضع وعودة الأحوال إلى وضعها الطبيعي ، عاد الدفن في وادي السلام ونقلت الكثير من الجنائز التي دفنت في مواضع أخرى إلى الوادي لتستقر فيه إلى الأبد وقد تعرض وادي السلام إلى تجاوزات من السلطة بعد حوادث النجف عام 1991 فأقدمت على تهديم الكثير من المقابر وفتح شوارع طولية وعرضية لتسهيل مرور معداتها وقواتها محاولة لإنهاء حركة المعارضة والقضاء على الثوار ، مما أحث ضجة في داخل النجف وخارجها .

المراجع

1 لسان العرب، 14/125.

2 مختار الصحاح، ص90.

3 مصطفى وآخرون ، المعجم الوسيط، 1/103.

4 الفيومي، المصباح المنير، ص47.

5 الحموي ، معجم البلدان ، 2/87.

6 البكري، معجم ما استعجم، 1/223.

7 العلي معالم العراق العمرانية، ص10.

8 فوجي، تقرير الموسم الأول لعمل البعثة اليابانية ص33.

9 كسار ، أكرم عبد، منطقة الحيرة في ضوء التنقيبات الأثرية، بحث القي في المؤتمر الأول لجامعة الكوفة 1992، ص2.

10 فوجي ، تقرير الموسم الأول لعمل البعثة اليابانية، ص34.

11 الخوانساري: روضات الجنات 4/184.

12 ابن الأثير : النهاية 4/184.

13 المرسلات : الآية 25,26.

14 محيي الدين : أدب المرتضى ص77.

15 فياض : تاريخ التربية عند الأمامية ص70.

16 سعاد ماهر : مشهد الإمام علي في النجف ص121، يقلا عن منتخب التواريخ ص291.

17 سعاد ماهر : مشهد الإمام علي في النجف ص121.

18 آدم متز : الحضارة الإسلامية 2/229.

19 الطوسي : التهذيب 1/466.

20 المجلسي : البحار 100/233، المزار ص80.

21 الديلمي : أرشاد القلوب 1/255، 2/439، بحر العلوم : تحفة العالم : 1/255، آل ياسين: (فضل الكوفة وفضل أهلها) مجلة البلاغ، العدد الثالث ص40، السنة الثالثة 1399هـ/1979م.

22 ابن قولويه : كامل الزيارات ص330، المجلسي : المزار ص330.

23 الطريحي : مجمع البحرين 6/88، محبوبة ماضي النجف وحاضرها 1/12،16.

24 الوردي : دراسة في طبيعة المجتمع العراقي ص251، لمحات اجتماعية 1/20.

25 الشريفي : (شيء من النجف) مجلة العرفان ، الجزء الثامن ، المجلد (35) ص115، لسنة 1367هـ/1948م.

26 علي هادي المسعودي : خطط مدينة النجف (بحث غير منشور) ص8.

27 ماسنيون : خطط الكوفة ص33.

28 إسحاق نقاش : شيعة العراق ص261.

29 أدور ينابلييه: إيران مستودع البارود ص41.

30 رباب الحسيني : (مدينة النجف في كتابات المؤرخين والجغرافيين العرب والمسلمين) من كتاب (النجف الأشرف اسهامات في الحضارة الإنسانية) 1/274.

31 النفيسي: دور الشيعة ص77-ص78.

32 المس بيل : فصول من تاريخ العراق القريب ص342

33 الشرقي : الأحلام ص39.

34 محمد ثابت: جولة في ربوع الشرق الأدنى ص105.

35 زكي مبارك : ليلى المريضة 2/26.

36 مجلة المصور : كتاب (جمهرية العراق) ص80.

37 الجواهري : ذكرياتي 1/35.

38 الخياط ( النجف في المراجع ) موسوعة العتبات المقدسة / قسم النجف 1 / 215 .

39 الأشعب : ( مفهوم انطقة الحواف ) ، مجلة الجمعية الجغرافية العراقية ص 96 .

40 المظفر : مدينة النجف الكبرى ص 71 .

41 مجلة الغري ، العد ( 93 ) ، السنة الثامنة 1361 هـ / 1942م.

المصدر