هور الحمار

يقع هور الحمار في جنوب العراق، ويمتد بإتجاه غربي- شرقي لمسافة تقدر بحوالي 100 كم، بين سوق الشيوخ على نهر الفرات في الجهة الغربية الى بلدة كرمة علي قرب البصرة على شط العرب في الجهة الشرقية. والهور، وجمعه أهوار، عبارة عن مستنقع أو بحيرة ضحلة، تتجمع فيها المياه العذبة من الأنهار، بعكس الخور، الذي هو منخفض ومدخل لماء البحر المالح في اليابسة. وينقسم هور الحمار بواسطة سلسلة من الجزر الصغيرة وامتدادات متصلة من نبات القصب والبردي الى قسمين: القسم الشرقي وهو الأعمق، ويصل إتساعه الى حوالي 48 كم من الشمال الى الجنوب، أما القسم الغربي فلا يتجاوز عرضه 24 كم.

مصادر مياه الهور

يتلقى هور الحمار مياهه من نهر الفرات ونهر دجلة، إلا أن كمية المياه التي يتلقاها من نهر دجلة تفوق بكثير تلك التي يتلقاها من نهر الفرات، خاصة بعد إنشاء المشاريع العملاقة على نهر الفرات في تركيا وسورية. ففي تركيا بدئ في مشروع الأناضول الأكبر Greater Anatalia Project في الستينيات من القرن العشرين ، على ان يكتمل المشروع في عام 2005م ليعطي 26 بليون كيلووات من الكهرباء المولدة من اندفاع المياه، إضافة إلى ري 1.6 بليون هكتار من الأراضي الزراعية، لتصبح تركيا سلة خبز الشرق الأوسط. وعلى رغم أن الاعتبارات السياسية قد أعاقت إستكمال هذا المشروع العملاق، فإن جزءاً كبيراً منه قد نفذ. مثلاً نجد أن سورية والعراق هددتا بشن حرب على تركيا، عندما استكملت تركيا على نهر الفرات سد أتاتورك، الذي يعد أحد أكبر السدود في العالم عام 1990م، وتوقف تدفق نهر الفرات الى سورية ومن ثم الى العراق، مما أدى الى تراجع تركيا خلال شهر من ذلك، وضمان تدفق لا يقل عن 500 متر مكعب في الثانية لسورية، مقابل أن تسيطر سورية على الثوار الأكراد الهاربين من تركيا إلى سورية وإرجاعهم إلى تركيا.

أما سورية فقد أقامت على نهر الفرات سد الثورة، الذي يحجز أمامه بحيرة الأسد، التي تبلغ مساحتها 640م مكعب، وذلك لرفع منسوب مياه النهر لاستخدامها في ري حوالي 640 الف هكتار من الأراضي الزراعية، إضافة إلى توليد الطاقة الكهربائية. وقد إنخفض تدفق نهر الفرات على الحدود السورية العراقية، نتيجة لهذه المشاريع على نهر الفرات في تركيا وسورية، إلى 20 في المائة مما كان عليه في السابق. وبإعتبار المشاريع الأخرى، التي أقيمت على نهر الفرات داخل الأراضي العراقية قبل وصول الفرات إلى هور الحمار، يتضح لنا مدى تدني كمية المياه التي يتلقاها هور الحمار من نهر الفرات مؤخراً.

وتصل مياه نهر الفرات إلى هور الحمار عن طريق ذنائب الفرات، التي يتفرغ إليها الفرات بالقرب من مدينة سوق الشيوخ وتنتهي في هور الحمار. ومن أهم هذه الذنائب نهر غليون، ونهر المحشية، ونهر السفحة، ونهر أبو شعثة، ونهر كرمة بن سعيد، وشط الحفار.

أما مياه نهر دجلة فتصل إلى هور الحمار عن طريق المجرى القديم لنهر الفرات، عندما كان يلتقي بنهر دجلة بالقرب من مدينة القرنة، وعن طريق العديد من القنوات القادمة من الضفة اليمنى (الغربية) لنهر دجلة. ولا تصل المياه إلى هور الحمار من نهر دجلة أو نهر الفرات إلا خلال موسم الفيضان في فصلي الشتاء والربيع، أما بعد إنتهاء موسم الفيضان، وخلال ما يعرف حاليا بالصيهود، فإن تدفق المياه القادمة إلى هور الحمار يتوقف عند نواظم هذه الذنائب والقنوات.

       تصريف مياه الهور

يتم تصريف مياه هور الحمار عن طريق نهر كرمة علي الذي يصب في شط العرب عند بلدة كرمة علي إلى الشمال قليلاً من مدينة البصرة، إضافة إلى شط العرب الذي تم حفره بطول 42 كم خلال السبعينيات من القرن العشرين، ليصرف مياه هور الحمار في خور الزبير، ومن ثم إلى الخليج العربي عن طريق خور شيطانة وهور عبدالله. وقد شق شط البصرة لتحقيق ما يلي:

أ: تخفيض الضغط على شط العرب لتصريف مياه نهري دجلة والفرات إلى الخليج العربي، عن طريق خور الزبير وخور شيطانة وخور عبدالله.

ب: المحافظة على مناسيب فيضان ثابتة في هور الحمار، لتمكين أهالي المنطقة من زراعة أراضيهم من دون تهديدها بالغرق معظم موسم الزراعة.

ج: تسهيل عملية إستصلاح أراض زراعية جديدة في هور الحمار.

د: تسهيل عملية تجفيف بعض مناطق هور الحمار للأغراض المختلفة.

ه: حماية مدينة البصرة من الفيضان، وزيادة إمكانية توسع المدينة للأغراض المختلفة.

و: تسهيل النقل النهري من ميناء أم قصر الواقع على خور الزبير إلى شط العرب، ومنه إلى نهر دجلة والفرات، خاصة أن موانئ العراق على شط العرب معرضة للخطر، نظراً لإستمرارية النزاع مع إيران على شط العرب.

       النبات الطبيعي

تكيف العديد من أصناف النباتات للحياة في بيئة الأهوار وسط المستنقعات وشدة الحرارة والرطوبة النسبية في فصل الصيف، فهناك أصناف من النبتات تتصل جذورها بقاع الهور، وأصناف أخرى تكون طافية. وأهم النباتات الطبيعية، التي تنتشر في هور الحمار:

القصب

يعرف القصب محلياً أحياناً بالغاب، وأحياناً بالبوص، وهو أهم نباتات الهور الطبيعية، وأوسعها إنتشاراً، وأكثرها فائدة، وأكبرها حجماً، إذ يبلغ معدل إرتفاع نبتة القصب أكثر من 6 أمتار. ودورة حياة نبات القصب تبدأ في شهر يناير بظهور نباتاته الصغيرة الخضراء، التي تشبه العشب، ويطلق عليها محلياً في منطقة هور الحمار إسم حشيش، وفي شهر أبريل، وبعد أن تنمو قليلاً، يطلق عليها إسم العنكر، وتبقى النبتة خضراء وطرية لمدة ستة أشهر، ثم يصبح ساق النبتة قوياً وأصفر ويابساً، بعد بلوغه العام، وقد يستمر لمدة عامين أو ثلاثة أو أربعة. ويستعمل السكان المحليون نبات القصب علفاً للماشية والجاموس، ما دامت النبتة طرية لا يتجاوز عمرها ستة أشهر. وعندما يبلغ عمر القصب عاماً ويصبح قوياً، يستخدم لصناعة الحصر أو ما يعرف محلياً بالبواري، أما بعد أن يتجاوز عمر القصب أكثر من سنة ونصف، فإنه يستخدم للوقود أو لصناعة الورق.

البردي

ينتشر البردي (الحلفا) مع القصب في مناطق الهور التي يتراوح عمق المياه فيها وقت الفيضان ما بين 1 و2.5 متر، ويبلغ ارتفاع نبتة البردي ما بين المترين والأربعة. ويستعمل علفاً للجاموس أحياناً، عندما يتعذر الحصول على العلف الطري، كما يستخدم وقوداً.

الجولان

ينتشر نبات الجولان عند حافات الهور ويراوح طوله ما بين متر ومترين ويشكل مادة مهمة لعلف الحيوانات في الإقليم خاصة الجاموس والأبقار، كما يستعمل الجولان للوقود.

نشأة الأهوار

كان الإعتقاد السائد حتى أوائل الخمسينيات من القرن العشرين أن نشأة الأهوار في جنوبي العراق كانت نتيجة تقعر في مناطق العراق الوسطى والجنوبية خلال الزمن الجيولوجي الثالث (2.5 مليون سنة مضت)، مما أدى إلى توغل مياه الخليج العربي حتى غطت ذلك المنخفض، أي أن مياه الخليج كانت تمتد حتى مدينة تكريت الواقعة على نهر دجلة على بعد حوالي 170 كم إلى الشمال من مدينة بغداد، وإلى مدينة هيت الواقعة على نهر الفرات على بعد حوالي 53 كم إلى الشمال من مدينة الرمادي. ومع تراكم الرواسب التي تحملها الأنهار إلى هذا المنخفض، خاصة نهر دجلة وكارون والفرات، أخذت مياه الخليج العربي تتراجع تدريجياً نحو الجنوب الشرقي، مخلفة وراءها السهل الرسوبي الحالي في وسط وجنوبي العراق، والذي يتسم بقلة الإنحدار وكثرة الأهوار.

وقد إعتمد أنصار هذا الرأي على نظرية (دي موركان) في كتابه المنشور عام 1900م بعنوان Delegation on Perse Memoires, التي فسرت نشأة دلتا بلاد الرافدين بأن رأس الخليج العربي في سنة 696 قبل الميلاد كان جنوب مدينة شوش، وأن نهري دجلة والفرات كانا يصبان مباشرة في الخليج العربي، وبين مصبيهما 65 كم . لكنه في القرن الرابع قبل الميلاد شكل الطمي الذي رسبه نهر كارون في الخليج العربي سلسلة جزر قامت بعزل مياه الخليج العربي عن الجزء الشمالي من المنخفض، الذي أصبح بحيرة كبيرة يصب فيها نهر دجلة والفرات، ومع إستمرار الترسيب في هذه البحيرة من قبل نهري دجلة والفرات, فإن هذه البحيرة قد إضمحلت ولم يبق منها سوى المستنقعات الضحلة التي تعرف بالأهوار. ظل هذا الإعتقاد، حول تقدم الدلتا وإنحسار الخليج العربي سائداً، حتى ظهرت نظرية جديدة، في بداية النصف الثاني من القرن العشرين, تزعمها ليز وفالكون في مقالة نشرت في المجلة الجغرافية البريطانية عام 1952م، تؤكد أن السهل الرسوبي في جنوب العراق ليس مجرد منخفض ثابت تملؤه ترسبات الأنهار, بل أن عملية هبوط هذا السهل ما زالت مستمرة، مما يسمح بإستمرار عملية الإرساب، وأنه، إضافة إلى الهبوط الشامل للسهل، هناك منخفضات محلية سببتها حركات التوائية مقعرة على مقاس صغير، ولا تزال عملية الألتواء مستمرة، وتشكل هذه المنخفضات المحلية ما يعرف بالأهوار.

وقد توصل ليز وفالكون إلى هذه النظرية عن طريق الملاحظات التالية:

أ: كيف لم تستطع تلك الكميات الهائلة من الرواسب، التي تأتي بها الأنهار والعواصف الصحراوية أن تملأ منخفضات الأهوار، خاصة أن حساب موازنة بسيطاً لما تحمله الأنهار والرياح من رواسب يعطي على أقل تقدير ما سمكه 7.5 مليمتر من الرواسب سنوياً، أي حوالي 7.5 متر من الرواسب في كل ألف عام. وعند الأخذ في الحسبان أن عمق هذه الأهوار لا يزيد على ثلاثة أمتار، فإنه لا يمكن تفسير ظاهرة إستمرار الأهوار إلا بإستمرار عملية الهبوط بمعدل مساوٍ لمعدل الإرساب في هذه الأهوار، أو قريب منه.

ب: إن القول بأن موقع الخليج العربي كان في الشمال من موقعه الحالي ليس له ما يسنده، بل توجد آثار حضارة وسكنى بشرية في طبقات تعود إلى ما قبل التاريخ في مناطق السهل الرسوبي جنوبي العراق، مما يؤكد أنه لم يكن بحراً في ذلك الوقت إذ كيف تقوم حضارة تحت مياه البحر.

المصدر

انظر ايضا