اقدم كنائس الموصل

عراقة الوجود المسيحي في الموصل

كنيسة مار اشعيا في الموصل

لم تكن منطقة رأس الكور الشعبية والعريقة في مدينة الموصل معروفة من قبل بل كانت كما كتب المؤرخون بأنها منطقة قفر باستثناء الدير الذي تحول الى كنيسة خورنية بفضل الربان ايشو عياب برقو سري والذي يعود له الفضل في إنشاء كنيسة باسم مار اشعيا في هذه المنطقة التي تطل على نهر دجلة في الساحل الايمن ،وقد كانت نواة لمدينة الموصل، فبعد ان كانت كنيسة للدير الذي أسسه مار ايشو عياب برقسري ،صارت الكنيسة الكاتدرائية الشرقية في الموصل بعد اضمحلال نينوى على مر الأجيال.

والحقت بها ثلاث كنائس حاليا مهملة وهي كآثار قديمة وهي:مار قرياقوس ومار كوركيس ومار يوحنا وجرت أعمال بناء وترميمات كثيرة على الكنيسة زمن الخوري افرام رسام والمطران بولس فرج رحو لعل أخرها ما تمر به اليوم كنيسة مار اشعيا والتي زرناها حيث تخضع لأعمال ترميم وتأهيل ونترقب قريبا افتتاحها ونعود للتاريخ حيث نجد ملخصا عن أحوال الكنيسة بمداد ما كتبه الأب جان موريس فييه الدومنيكي في كتابه المعنون الاثار المسيحية في الموصل والذي ترجمه نجيب قاقو وصدر بترجمته هذه في بغداد عام 2000.

حيث يشير الأب الدومنيكي الى ان الكنيسة المذكورة كانت نواة مدينة الموصل ولهذه الكنيسة شفعاء لعل أبرزهم هو الربان ايشو عياب برقسري حيث يشير عنه الكتاب الى ان أصله من نينوى وعرف بازدرائه للعالم فاضطر الى تأسيس هيكل كبير ودير صغير وذلك في عهد البطريرك حزقيال (570-581) واقبل راهبان تقيان وسكنا معه ووافت المنية ايشو عياب فدفن في الدير الذي أسسه.

كما يعرف عن ان هنالك كنيسة مجاورة لكنيسة مار اشعيا تعرف بكنيسة مار قرياقوس حيث يعرف هذا القديس في سنكسار الشهداء الرومان عندما نال أكليل الشهادة وعمره لم يتجاوز الأربعة اعوام مع أمه التي تعرف باسم يوليطي او جوليت وهنالك أسطورة موصلية تشير انه عندما تم ترميم هذه الكنيسة عام 1908 جاء طفل مجهول وساعد البنائين وكان انذاك في نحو الثامنة من عمره والى جانب الكنيستين توجد كنيسة ثالثة تعرف باسم كنيسة ماريوحنا وهنالك ذخائر باسم هذا القديس وجدت في تلك الكنيسة وتوجد شواهد تفيد بأقدم تاريخ لوجود هذه الكنائس، حيث يشير الأب فييه الى ان العام 1694قد شهد ترميم كنيسة مار كوركيس ومار اشعيا الى جانب كنيستي شمعون الصفا ومسكنتة.

وفي سجلات المطرانية الكلدانية في الموصل هنالك إشارات الى كنيسة مار اشعيا تعود اولهما الى عام 1720 والثانية من دون تاريخ لكن فيها ملاحظة بالعربية تشير الى اسم كاهن كان يخدم الكنيسة ويدعى القس باكوس وذلك في القرن الثامن عشر كما شهد عام 1796 ترميما أخر لكنيسة مار اشعيا بحسب ما ورد في كتابات بالاسطرنجيلية والعربية وجدت فوق باب قدس الأقداس وباستثناء كنيسة مار اشعيا فان الكنيستين الاخريتين تبدوان كقاعة مثل كنيسة مار قرياقوس التي تبدو كغرفة كبيرة ومستطيلة الشكل أعيد بناؤها عام 1947 اما ذخائر شفيعها فمحفوظة في كوة الى يسار المذبح مع ذخائر مار كبرئيل مؤسس الدير الأعلى اما الكنيسة الأخرى التي تدعى بكنيسة مار يوحنا فهي صورة مصغرة لكنيسة كاملة بأجنحتها الثلاثة وأقواسها.

اما الأب الدكتور يوسف حبي فيشير الى كنيسة مار اشعيا ضمن كتابه المعنون بكنائس الموصل والصادر في بغداد عام 1980 فيقول عنها ذات المعلومات الواردة بكتاب الأب جان فييه ويستطرد انه في عهد بطريرك كنيسة المشرق (الاثورية – الكلدانية ) حزقيال (570-581) أسس الراهب ايشو عياب برقو سري من أهالي نينوى ديرا وهيكلا دفن فيه وقد كان الموقع قفرا ثم غدا محلة تعرف باسم (راس الكور ) فتحول الدير الى كنيسة خورنية وأضحى كرسيا لأساقفة الموصل في القرن السابع وأضيفت الى الهيكل الأصلي ثلاث كنائس قبل سنة 1694 باسم مار كوركيس ومار يوحنان ومار قرياقوس ولم يبق من الاثار القديمة سوى قطعتين مرمريتين مطعمتين محفوظتين في هيكل مار ايشو عياب وقطع مرمرية مكتوبة ومزخرفة أصلا الى هيكل مار كوركيس ونقلت عام 1964 الى الغرفة المجاورة بعد ان ضم هيكل مار كوركيس الى الهيكل الكبير ويتمتع هيكل مار يوحنان بقيمة اثرية على الرغم من تداعيه فان بيت الشهداء يعود تاريخه الى العهد الاتابكي بينما ترجع الابواب والحنيات الأخرى الى تجديد عام 1694 وتحتفظ هذه الكنيسة بأقدم كتابا صلوات طقسية باسم (حوذرا ) من القرن العاشر كما تحتفظ بايقونة بيزنطية من القدس تعود الى القرن الثامن عشر).

كما يشير التاريخ الى ان الكنيسة كانت من ضمن المحاولات الرامية لعدها كمقر لمعهد اكليركي بعد المحاولة الأولى التي كانت ترمي الى اعتبار دير مار كوركيس قرب الموصل بعد أن تم تجديده وإعداده من قبل القاصد الرسولي بندكتس بلانشيه، ويظهر إن إدارته ُ أسندت الى القس جرجس خياط كما يفهم من رسالة كاتم اسرار مجمع إنتشار الإيمان الموجهة الى القاصد الرسولي في 4 حزيران 1859 حيث يكتب: "يطيب لي السماع بان الكلية او المعهد الجديد قد أفتتح، وبأن التلميذ خياط قد عُين مؤقتاً لإدارته حتى تعهد الإدارة الى الآباء الدومنيكان كما في نيتكم أن تفعلوا"

ولايوجد معلومات عن هذه الفترة، لكن المؤرخين يشيرون الى عدم بقاء الدير كمعهد حيث انه لم يُـكتب له النجاح والديمومة لأسباب عديدة اما المحاولة التالية فكانت في اعتبار هذه الكنيسة كمقر للمعهد حيث أجتمع البطريرك يوسف أودو بأعيان الكلدان الموصليين وشرح لهم ضرورة أن يمون للطائفة مدرسة دينية، وانه يعتمد عليهم، وعلى شهامتهم وكرمهم ومحبتهم للطائفة. فتحمسوا وتعهدوا القيام بالواجب، فقرر فتح معهد ديني في كنيسة مار إشعيا وذلك في النصف الاول من سنة 1860، وعندما ذهب الى آمد ليجتمع مع السادة الأساقفة، أيد الأباء خطوة البطريرك بفتحه المعهد وتبنوا المشروع وعهدت ادارته الى المطران برتتر. وذلك كما ورد في مجلة بين النهرين الصادر عام (1983) العدد 41/42 ص 67-96.

اما واقع الكنيسة اليوم فقد كانت زيارتنا لها متزامنة مع أعمال الصيانة والتأهيل استعدادا لافتتاحها في موعد قريب حيث زرناه وقد خلت من مقاعد المؤمنين ومازالت أدوات العمال والكهربائيين تسود المكان واستطعنا التجول بين أروقة الكنيسة حيث شهدنا ضريحا لسعيد الذكر المطران قرياقوس موسيس الذي انتخب أسقفا لابرشية العمادية وشمكان في 17/11/1967 وسيم في 3/4/1968 في كاتدرائية أم الاحزان في بغداد وتوفي في 16/4/1973. حيث دفن في هذه الكنيسة.

وفي سياق جولتنا وجدنا غرفة مجاورة جمعت فيها شواهد ورخاميات كتب عليها بخط اسطرنجيلي فضلا عن كتابات باللغة العربية تشير في سياقها الى معماريين ولم نعثر عن الموقع الذي اقتطعت منه تلك الشواهد وبعدها خرجنا لنتطلع الى جدار مجاور وقد تداعى بفعل الزمن حيث قادتنا خطواتنا للاطلاع الى ما يحيط به فوجدنا كنيسة قديمة بعتقد بانها كنيسة مار يوحنان كما أشار الأب حبي في كتابه وقد تداعت لابل قد أصبحت مكبا للنفايات بالرغم من ان بعض جدرانها تشي الى قيمتها المهمة فضلا عن صليب صغير بلون اسود يوشح احد جدرانها الرئيسة وعير سلم صغير نرتقي الى سطح الكنيسة لنجد ناقوس الكنيسة الحالية وهو يعانق السماء مطلا على نهر دجلة والمنظر من هنا رائع حيث يقدم الموصل بصورتها الرائعة.

زيارتنا لهذه الكنيسة كانت عبارة عن غوص بتاريخ مسيحي عريق للمدينة ووجدنا ان نكتب إزائها مارصدناه خلال هذه الزيارة لكنيسة مار اشعيا حيث تنسمنا من خلالها بخور الزمن الجميل والمسيحيين القدماء وشواهدهم التي ما زالت تحكي أصالتهم في هذه المدينة.

المصدر